الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***
وَبَعْضُ الْمُؤَلِّفِينَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْبَابَ أَصْلًا كَابْنِ مُجَاهِدٍ فِي سَبْعَتِهِ، وَابْنِ مِهْرَانَ فِي غَايَتِهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَذْكُرُهُ مَعَ بَابِ الْبَسْمَلَةِ مُتَقَدِّمًا كَالْهُذَلِيِّ وَابْنِ مُؤْمِنٍ، وَالْأَكْثَرُونَ أَخَّرُوهُ لِتَعَلُّقِهِ بِالسُّوَرِ الْأَخِيرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ عِنْدَ سُورَةِ {وَالضُّحَى}، وَ{أَلَمْ نَشْرَحْ} كَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ، وَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَّرَهُ إِلَى بَعْدِ إِتْمَامِ الْخِلَافِ وَجَعَلَهُ آخِرَ كِتَابِهِ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَشَارِقَةِ، وَالْمَغَارِبَةِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ لِتَعَلُّقِهِ بِالْخَتْمِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَنْحَصِرُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْبَابِ فِي أَرْبَعَةِ فُصُولٍ.
اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُرُودِ التَّكْبِيرِ مِنَ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ، فَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْقَطَعَ عَنْهُ الْوَحْيُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَلَى مُحَمَّدًا رَبُّهُ، فَنَزَلَتْ سُورَةُ {وَالضُّحَى} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكْبَرَ إِذَا بَلَغَ {وَالضُّحَى} مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ حَتَّى يَخْتِمَ. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ السَّخَاوِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُتَقَدِّمٍ وَمُتَأَخِّرٍ، قَالُوا: فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُكْرًا لِلَّهِ لَمَّا كَذَّبَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ تَصْدِيقًا لِمَا أَنَا عَلَيْهِ وَتَكْذِيبًا لِلْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: فَرَحًا وَسُرُورًا، أَيْ بِنُزُولِ الْوَحْيِ، قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفِدَا بْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ، وَلَا ضَعْفٍ، يَعْنِي كَوْنَ هَذَا سَبَبَ التَّكْبِيرِ وَإِلَّا فَانْقِطَاعُ الْوَحْيِ مُدَّةً، أَوْ إِبْطَاؤُهُ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبٍ الْبَجَلِيِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَا شَكَّ. وَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي سَبَبِ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، أَوْ إِبْطَائِهِ، وَفِي الْقَائِلِ قَلَاهُ رَبُّهُ، وَفِي مُدَّةِ انْقِطَاعِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً، أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالضُّحَى}- إِلَى- {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، وَفِي رِوَايَةٍ أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالضُّحَى}، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فِي أُصْبُعِهِ فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلَّا أُصْبُعٌ دَمِيتِ *** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ قَالَ: فَمَكَثَ لَيْلَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا لَا يَقُومُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَنَزَلَتْ {وَالضُّحَى}، وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ فِي كَوْنِهِ جُعِلَ سَبَبًا لِتَرْكِهِ الْقِيَامَ وَإِنْزَالِ هَذِهِ السُّورَةِ، قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ أُمُّ جَمِيلٍ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ وَقِيلَ بَعْضُ بَنَاتِ عَمِّهِ، وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ فَرَحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي بَزَّةَ بِإِسْنَادٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ إِلَيْهِ قِطْفُ عِنَبٍ جَاءَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَهَمَّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ فَجَاءَهُ سَائِلٌ فَقَالَ: أَطْعِمُونِي مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، قَالَ: فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْعُنْقُودَ فَلَقِيَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَهْدَاهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ السَّائِلُ وَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَهْدَاهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ السَّائِلُ فَسَأَلَهُ فَانْتَهَرَهُ، وَقَالَ: إِنَّكَ مُلِحٌّ، فَانْقَطَعَ الْوَحْيُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: قَلَى مُحَمَّدًا رَبُّهُ فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: مَا أَقْرَأُ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ {وَالضُّحَى} فَلَقَّنَهُ السُّورَةَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيًّا لَمَّا بَلَغَ {وَالضُّحَى} أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ حَتَّى يَخْتِمَ، وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَهُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ أَبِي بَزَّةَ أَيْضًا، وَهُوَ مُعْضَلٌ. وَقَالَ الدَّانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرِّيُّ حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا قَوْلُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتُبِسَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْوَحْيُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا جِئْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}. وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ أَبْطَأَ عَنْهُ جِبْرِيلُ أَيَّامًا فَتَغَيَّرَ بِذَلِكَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. قَالَ الدَّانِيُّ: فَهَذَا سَبَبُ التَّخْصِيصِ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ آخِرِ {وَالضُّحَى} وَاسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِزَمَانٍ فَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ الْمَكِّيُّونَ وَنَقَلَ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ غَيْرُهُمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ فَأَخَذُوا بِالْآخِرِ مِنْ فِعْلِهِ. وَقِيلَ كَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحًا وَسُرُورًا بِالنِّعَمِ الَّتِي عَدَّدَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ يَجِدْكَ} إِلَى آخِرِهِ وَقِيلَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تِلْكَ النِّعَمِ. قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُهُ سُرُورًا بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، وَلِأُمَّتِهِ حَتَّى يُرْضِيَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَنْزًا كَنْزًا فَسُرَّ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فَأَعْطَاهُ فِي الْجَنَّةِ أَلْفَ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ: إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ، وَقَالَ الْحَسَنُ يَعْنِي بِذَلِكَ الشَّفَاعَةَ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقِيلَ كَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَآهُ مِنْ صُورَةِ جِبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا عِنْدَ نُزُولِهِ بِهَذِهِ السُّورَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ هِيَ الَّتِي أَوْحَاهَا جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَبَدَّى لَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَدَنَا إِلَيْهِ وَتَدَلَّى مُنْهَبِطًا عَلَيْهِ، وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى قَالَ: قَالَ لَهُ هَذِهِ السُّورَةَ {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ جَيِّدٌ إِذِ التَّكْبِيرُ إِنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَوْ مَهُولٍ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَقِيلَ زِيَادَةٌ فِي تَعْظِيمِ اللَّهِ مَعَ التِّلَاوَةِ لِكِتَابِهِ وَالتَّبَرُّكِ بِخَتْمِ وَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ وَالتَّنْزِيهِ لَهُ مِنَ السُّوءِ قَالَهُ مَكِّيٌّ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْآتِي: إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَبَلَغْتَ قُصَارَى الْمُفَصَّلِ فَكَبِّرِ اللَّهَ فَكَأَنَّ التَّكْبِيرَ شُكْرٌ للَّهِ وَسُرُورٌ وَإِشْعَارٌ بِالْخَتْمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا ذَكَرْتُمْ كُلُّهُ- يَقْتَضِي سَبَبَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فِي {وَالضُّحَى}، أَوَّلِهَا، أَوْ آخِرِهَا. وَقَدْ ثَبَتَ ابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ أَيْضًا مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} فَهَلْ مِنْ سَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ إِلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الَّذِي لِسُورَةِ الضُّحَى انْسَحَبَ لِلسُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَجُعِلَ حُكْمُ مَا لِآخِرِ الضُّحَى لِأَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ النِّعَمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مِنْ تَمَامِ تَعْدَادِ النِّعَمِ عَلَيْهِ فَأُخِّرَ إِلَى انْتِهَائِهِ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَأَلْتُ رَبِّي مَسْأَلَةً وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ قُلْتُ قَدْ كَانَتْ قَبْلِي أَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُ الرِّيحَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ يَا مُحَمَّدُ: أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: أَلَمْ أَجِدْكَ عَائِلًا فَأَغْنَيْتُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، أَلَمْ أَرْفَعْ لَكَ ذِكْرَكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ. فَكَانَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ نِهَايَةِ ذِكْرِ النِّعَمِ أَنْسَبَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْخِصِّيصَةِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ، وَهُوَ رَفْعُ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يَقُولُ {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَيْسَ خَطِيبٌ، وَلَا مُتَشَهِّدٌ، وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ إِلَّا يُنَادِي بِهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي. أَخْرَجَهُ ابْنُ حَيَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طُرُقِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَرَوَاهُ أَبُو يُعْلَى الْمَوْصِلِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِإِسْنَادٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْتُ يَا رَبِّ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا وَتُذْكَرُ حُجَّتُهُ: جَعَلْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَمُوسَى كَلِيمًا، وَسَخَّرْتَ لِدَاوُدَ الْجِبَالَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ وَالشَّيَاطِينَ وَأَحْيَيْتَ لِعِيسَى الْمَوْتَى فَمَا جَعَلْتَ لِي؟ قَالَ: أَوَلَيِسَ قَدْ أَعْطَيْتُكَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. أَنْ لَا أُذْكَرَ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي وَجَعَلْتُ صُدُورَ أُمَّتِكَ أَنَاجِيلَهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا، وَلَمْ أُعْطِهَا أُمَّةً وَأَعْطَيْتُكَ كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ عَرْشِي هُوَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَهَذَا هُوَ أَنْسَبُ مِمَّا تَقَدَّمَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
فَاعْلَمْ أَنَّ التَّكْبِيرَ صَحَّ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ قُرَّائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُمْ- صِحَّةً اسْتَفَاضَتْ وَاشْتَهَرَتْ وَذَاعَتْ وَانْتَشَرَتْ حَتَّى بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَصَحَّتْ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ السُّوسِيِّ، وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ رِوَايَةِ الْعُمَرِيِّ وَوَرَدَتْ أَيْضًا عَنْ سَائِرِ الْقُرَّاءِ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ حَبَشٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْخَبَّازِيُّ عَنِ الْجَمِيعِ، وَحَكَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَقَدْ صَارَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ عِنْدَ خَتْمِهِمْ فِي الْمَحَافِلِ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ لَدَى الْأَمَاثِلِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُومُ بِهِ فِي صَلَاةِ رَمَضَانَ، وَلَا يَتْرُكُهُ عِنْدَ الْخَتْمِ عَلَى أَيِ حَالٍ كَانَ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي الْمُبْهِجِ: وَحَكَى شَيْخُنَا الشَّرِيفُ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكَارَزِينِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي دَرْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَبَلَغَ إِلَى {وَالضُّحَى} كَبَّرَ لِكُلِّ قَارِئٍ قَرَأَ لَهُ، فَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ مَا أَحْسَنَهَا مِنْ سُنَّةٍ لَوْلَا أَنِّي لَا أُحِبُّ مُخَالَفَةَ سُنَّةِ النَّقْلِ لَكُنْتُ أَخَذْتُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَرَأَ عَلَيَّ بِرِوَايَةِ التَّكْبِيرِ لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ تُتَّبَعُ، وَلَا تُبْتَدَعُ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يُكَبِّرُونَ فِي آخِرِ كُلِّ خَتْمَةٍ مِنْ خَاتِمَةِ وَالضُّحَى لِكُلِّ الْقُرَّاءِ لِابْنِ كَثِيرٍ، وَغَيْرِهِ سُنَّةً نَقَلُوهَا عَنْ شُيُوخِهِمْ. وَقَالَ الْأَهْوَازِيُّ: وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي آخِرِ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ مَأْثُورَةٌ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي قِرَاءَتِهِمْ فِي الدُّرُوسِ وَالصَّلَاةِ انْتَهَى. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ بِهِ فِي جَمِيعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ وَالْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْخُزَاعِيِّ قَالَ الْهُذَلِيُّ: وَعِنْدَ الدَّيْنَوَرِيِّ كَذَلِكَ يُكَبَّرُ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لَا يَخْتَصُّ بِالضُّحَى، وَغَيْرِهَا. لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ. قُلْتُ: وَالدَّيْنَوَرِيُّ هَذَا هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبَشٍ الدَّيْنَوَرِيُّ إِمَامٌ مُتْقِنٌ ضَابِطٌ قَالَ عَنْهُ الدَّانِيُّ مُتَقَدِّمٌ فِي عِلْمِ الْقِرَاءَاتِ مَشْهُورٌ بِالْإِتْقَانِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ كَمَا قَدَّمْنَا عِنْدَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ فِي آخِرِ إِسْنَادِ قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو، وَهَا نَحْنُ نُشِيرُ إِلَى ذِكْرِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ وَرَدَ ذَلِكَ عَنْهُمْ مُفَصَّلًا وَمَا صَحَّ عِنْدَنَا عَنِ السَّلَفِ مُبَيَّنًا- إِنْ شَاءَ اللَّهُ-. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْبَيَانِ: كَانَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَوَّاسِ وَالْبَزِّيِّ، وَغَيْرِهِمَا يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ وَالْعَرْضِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ {وَالضُّحَى} مَعَ فَرَاغِهِ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إِلَى آخِرِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فَإِذَا كَبَّرَ فِي النَّاسِ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَمْسَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى عَدَدِ الْكُوفِيِّينَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ثُمَّ دَعَا بِدُعَاءِ الْخَتْمَةِ قَالَ: وَهَذَا يُسَمَّى الْحَالَّ الْمُرْتَحِلَ وَلَهُ فِي فِعْلِهِ هَذَا دَلَائِلُ مُسْتَفِيضَةٌ جَاءَتْ مِنْ آثَارٍ مَرْوِيَّةٍ وَرَدَ التَّوْقِيفُ بِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَارٍ مَشْهُورَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ جَاءَتْ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْخَالِفِينَ. وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ غَلْبُونَ: وَهَذِهِ سُنَّةٌ مَأْثُورَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهِيَ سُنَّةٌ بِمَكَّةَ لَا يَتْرُكُونَهَا الْبَتَّةَ، وَلَا يَعْتَبِرُونَ رِوَايَةَ الْبَزِّيِّ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ لَا نَقُولُ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِمَنْ خَتَمَ أَنْ يَفْعَلَهُ لَكِنَّ مَنْ فَعَلَهُ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَهُوَ سُنَّةٌ مَأْثُورَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قُلْتُ: أَمَّا مَا هُوَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمِصْرِيِّ بِهَا فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيِّ بِهَا فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ شُجَاعٍ الْعَبَّاسِيِّ الْمِصْرِيِّ بِهَا فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى}. كَبَّرْتُ. قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ وَلِيِّ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ فِيرَةَ الشَّاطِبِيِّ بِمِصْرَ. فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ ح، وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَلْمَانَ الدِّمَشْقِيِّ بِهَا. فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ، وَقَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى وَالِدِي الْمَذْكُورِ بِدِمَشْقَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقَاسِمِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَنْدَلُسِيِّ بِدِمَشْقَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ الْغَافِقِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ بِهَا فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَا أَعْنِي الشَّاطِبِيَّ وَالْغَافِقِيَّ هَذَا قَرَأْنَا الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هُذَيْلٍ بِالْأَنْدَلُسِ فَلَمَّا بَلَغْنَا {وَالضُّحَى} كَبَّرْنَا قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بْنِ نَجَاحٍ الْأُمَوِيِّ بِالْأَنْدَلُسِ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي عَمْرٍو عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّانِيِّ بِالْأَنْدَلُسِ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْفَارِسِيِّ بِمِصْرَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّقَّاشِ بِبَغْدَادَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى أَبِي رَبِيعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الرَّبْعِيِّ بِمَكَّةَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ بَزَّةَ الْبَزِّيِّ بِمَكَّةَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتُ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ بِمَكَّةَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} كَبَّرْتَ وَأَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ الدِّمَشْقِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضْلٍ الْوَاسِطِيُّ مُشَافَهَةً أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ شَيْخُ الشُّيُوخِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلَاءِ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ الْهَمَذَانِيُّ بِهَمَذَانَ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ بِهَرَاةَ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ح وَأَخْبَرَنَاهُ عَالِيًا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارٍ الشَّعَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلُ قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ الْبَزِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسْطَنْطِينَ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} قَالَ لِي: كَبِّرْ عِنْدَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ حَتَّى تَخْتِمَ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} قَالَ لِي: كَبِّرْ عِنْدَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ حَتَّى تَخْتِمَ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ مُجَاهِدٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَنَا بِهِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرَاغِيُّ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بُخَارِيٍّ سَمَاعًا، أَوْ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ وَالدَّارْقَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ح، وَأَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ سِتُّ الْعَرَبِ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ السَّعْدِيَّةُ مُشَافَهَةً، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ حُضُورًا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الصَّفَّارِ أَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ أَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ ثَنَا ابْنُ صَاعِدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ فَذَكَرَهُ. هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ وَقَعَ لَنَا عَالِيًا جِدًّا، بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَزِّيِّ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُخَلِّصِ سَبْعَةُ رِجَالٍ، رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ عَنْ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِجَازِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ الْمُقْرِي الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْبَزِّيُّ فَذَكَرَهُ. ثُمَّ قَالَ الدَّانِيُّ: وَهَذَا أَتَمُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي التَّكْبِيرِ، وَأَصَحُّ خَبَرٍ جَاءَ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي يَحْيَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْإِمَامِ بِمَكَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الصَّائِغِ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَا مُسْلِمٌ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ التَّكْبِيرَ إِلَّا الْبَزِّيُّ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ تَظَافَرَتْ عَنْهُ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَرَوَاهُ النَّاسُ فَوَقَفُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، ثُمَّ سَاقَ الرِّوَايَاتِ بِرَفْعِهِ، وَمَدَارُهَا كُلُّهَا عَلَى الْبَزِّيِّ. قُلْتُ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْبَزِّيِّ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ رَفْعِهِ لَهُ، فَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْعُقَيْلِيُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنِ الْبَزِّيِّ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ وَثِقَاتٌ مُعْتَبَرُونَ أَحْمَدُ بْنُ فَرَحٍ وَإِسْحَاقُ الْخُزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادُ وَأَبُو رَبِيعَةَ وَأَبُو مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمَكِّيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ دَرَسْتَوَيْهِ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ وَأَبُو يَحْيَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي مَيْسَرَةَ وَأَبُو عَمْرٍو قُنْبُلٌ وَأَبُو حَبِيبٍ الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْبِرْتِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَطِيبُ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو جَعْفَرٍ اللِّهْبِيَّانِ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ وَمُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ بُنَانٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّطَوِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّبَّاحِ الْخُزَاعِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ وَالْإِمَامُ الْكَبِيرُ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، كَمَا أَخْبَرَتْنِي الشَّيْخَةُ الْمُعَمَّرَةُ أُمُّ مُحَمَّدٍ سِتُّ الْعَرَبِ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيَّةُ مُشَافَهَةً بِمَنْزِلِهَا بِالسَّفْحِ ظَاهِرَ دِمَشْقَ قَالَتْ: أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ الْمَذْكُورُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرَةٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الصَّفَّارِ فِي كِتَابِهِ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الشَّحَّامِيُّ الْحَافِظُ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَدْلُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ مَوْلَى شَيْبَةَ يَقُولُ قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيِّ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} قَالَ لِي: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنِّي أَنَا خَائِفٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَسْقَطَ ابْنُ أَبِي بَزَّةَ، أَوْ عِكْرِمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ شِبْلًا. قُلْتُ: يَعْنِي بَيْنَ إِسْمَاعِيلَ وَابْنِ كَثِيرٍ، وَلَمْ يُسْقِطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شِبْلًا، فَقَدْ صَحَّتْ قِرَاءَةُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى ابْنِ كَثِيرٍ نَفْسِهِ، وَعَلَى شِبْلٍ، وَعَلَى مَعْرُوفٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ عَنِ الْبَزِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} قَالَ: كَبِّرْ مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ حَتَّى تَخْتِمَ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ وَعَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ فَأَمَرَانِي بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ مُجَاهِدٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ وَسَاقَهُ حَتَّى رَفَعَهُ. ثُمَّ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو وَبِسَنَدِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ قَالَ: قَالَ الْبَزِّيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ إِنْ تَرَكْتَ التَّكْبِيرَ فَقَدْ تَرَكْتَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنِ الْبَزِّيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَكُنْتُ قَدْ وَقَفْتُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ لَا يُحَدِّثُنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لِي يَا أَبَا الْحَسَنِ وَاللَّهِ لَئِنْ تَرَكْتَهُ لَتَتْرُكَنَّ سُنَّةَ نَبِيَّكَ. وَجَاءَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَمَعَهُ رَجُلٌ عَبَّاسِيٌّ وَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَبَيْتُ أَنْ أُحَدِّثَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْنَاهُ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْيَنِ عَنْكَ فَلَوْ كَانَ مُنْكَرًا مَا رَوَاهُ وَكَانَ يَجْتَنِبُ الْمُنْكَرَاتِ. قُلْتُ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعٍ الشَّافِعِيِّ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَيُقَالُ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الْمَعْدُودِينَ فِي الْآخِذِينَ عَنْهُ. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمَوْقُوفَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ فَأَسْنَدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ، وَالْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حَيَّةَ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَتَمْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ تِسْعَ عَشْرَةَ خَتْمَةً كُلُّهَا يَأْمُرُنِي أَنْ أُكَبِّرَ فِيهَا مِنْ {أَلَمْ نَشْرَحْ}، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَيَّةَ قَرَأْتُ عَلَى حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} قَالَ لِي: كَبِّرْ إِذَا خَتَمْتَ كُلَّ سُورَةٍ حَتَّى تَخْتِمَ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَنِي بِذَلِكَ، وَرَوَاهُ الدَّانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فَأَدْخَلَ بَيْنَ الْحُمَيْدِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ سُفْيَانَ قَالَ الدَّانِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ عَدَمُ ذِكْرِ سُفْيَانَ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَتَقَدَّمَ، وَأَسْنَدَ الْحَافِظَانِ عَنْ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ مُحَيْصِنٍ وَابْنَ كَثِيرٍ الدَّارِيَّ إِذَا بَلَغَا {أَلَمْ نَشْرَحْ} كَبَّرَا حَتَّى يَخْتِمَا وَيَقُولَانِ رَأَيْنَا مُجَاهِدًا فَعَلَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ مُجَاهِدٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ. وَأَسْنَدَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ فَلَمَّا بَلَغْتُ {وَالضُّحَى} قَالَ: هِيهَا، قُلْتُ وَمَا تُرِيدُ بِهِيهَا؟ قَالَ: كَبِّرْ فَإِنِّي رَأَيْتُ مَشَايِخَنَا مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْمُرُهُمْ بِالتَّكْبِيرِ إِذَا بَلَغُوا {وَالضُّحَى}، وَرَوَى الْحَافِظَانِ، وَابْنُ الْفَحَّامِ عَنْ قُنْبُلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَوْنٍ الْقَوَّاسُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِي قَالَ: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ عَنِ الزَّيْنَبِيِّ وَابْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَعَنِ الْحُلْوَانِيِّ وَالْجَدِّيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ كُلُّهُمْ عَنِ الْقَوَّاسِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ {وَالضُّحَى} إِلَى خَاتِمَةِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، وَإِذَا خَتَمَهَا قَطَعَ التَّكْبِيرَ; وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: ثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ {وَالضُّحَى} إِلَى خَاتِمَةِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، وَإِذَا خَتَمَهَا قَطَعَ التَّكْبِيرَ. وَأَسْنَدَ الدَّانِيُّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَرَأَيْتَ حُمَيْدًا الْأَعْرَجَ يَقْرَأُ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ فَإِذَا بَلَغَ {وَالضُّحَى} كَبَّرَ إِذَا خَتَمَ كُلَّ سُورَةٍ حَتَّى يَخْتِمَ. وَرَوَاهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَبَلَغْتَ بَيْنَ الْمُفَصَّلِ فَاحْمَدِ اللَّهِ وَكَبِّرْ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَتَابِعْ بَيْنَ الْمُفَصَّلِ فِي السُّورِ الْقِصَارِ وَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَهْلِ الْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الْأَخْذِ بِهِ لِلْبَزِّيِّ. وَاخْتَلَفُوا عَنْ قُنْبُلٍ فَالْجُمْهُورُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ عَلَى عَدَمِ التَّكْبِيرِ لَهُ كَسَائِرِ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالْعُنْوَانِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ وَالْهَادِي، وَالْإِرْشَادِ لِأَبِي الطَّيِّبِ بْنِ غَلْبُونَ حَتَّى قَالَ فِيهِ: وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا قُنْبُلٌ، وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، أَعْنِي التَّكْبِيرَ. وَرَوَى التَّكْبِيرَ عَنْ قُنْبُلٍ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُ الْمَغَارِبَةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْجَامِعِ وَ الْمُسْتَنِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِرْشَادِ وَالْكِفَايَةِ لِأَبِي الْعِزِّ، وَالْمُبْهِجِ وَالْكِفَايَةِ فِي السِّتِّ، وَتَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَفِي الْغَايَةِ لِأَبِي الْعَلَاءِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَفِي الْهِدَايَةِ قَرَأْتُ لِقُنْبُلٍ بِوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَالصَّفْرَاوِيُّ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا الدَّانِيُّ فِي غَيْرِ التَّيْسِيرِ فَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدْ قَرَأْتُ لِقُنْبُلٍ بِالتَّكْبِيرِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الرَّاوُونَ لِلتَّكْبِيرِ فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ وَصِيغَتِهِ عَنِ الْمَذْكُورِينَ فِي ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَانْتِهَائِهِ وَصِيغَتِهِ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ، أَوْ لِآخِرِهَا، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى سَبَبِ التَّكْبِيرِ مَا هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ. أَمَّا ابْتِدَاؤُهُ، فَرَوَى جُمْهُورُهُمُ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ {أَلَمْ نَشْرَحْ}، أَوْ مِنْ آخِرِ سُورَةِ {وَالضُّحَى} عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي الْعِبَارَةِ يَنْبَنِي عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا مَا يَأْتِي. فَمَنْ نَصَّ عَلَى التَّكْبِيرِ مِنْ آخِرِ {وَالضُّحَى} صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، لَمْ يَقْطَعْ فِيهِ بِسِوَاهُ، وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ صَاحِبُ التَّذْكِرَةِ، لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَكَذَا وَالِدُهُ، وَأَبُو الطَّيِّبِ فِي إِرْشَادِهِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَصَاحِبُ الْكَافِي، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْهَادِي، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ وَأَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي مُبْهِجِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الشَّنَبُوذِيِّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ. وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} صَاحِبُ التَّجْرِيدِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى غَيْرِ الْفَارِسِيِّ وَالْمَالِكِيِّ، وَأَبُو الْعِزِّ فِي إِرْشَادِهِ وَكِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَنْ رَوَاهُ مِنْ أَوَّلِ {وَالضُّحَى} كَمَا سَيَأْتِي. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْجَامِعِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَنِيرِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ مِمَّنْ لَمْ يَرْوِ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى إِذْ هُمْ فِي التَّكْبِيرِ بَيْنَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} وَبَيْنَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَوَّلِ {وَالضُّحَى} كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِآخِرِ الضُّحَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَنْ قَدَّمْنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَغَارِبَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَى الْآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ {وَالضُّحَى}، وَهُوَ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ لِأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى الْفَارِسِيِّ وَالْمَالِكِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْجَامِعِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ فَرَحٍ هِبَةِ اللَّهِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْبَزِّيِّ وَإِلَّا مِنْ طَرِيقِ نَظِيفٍ عَنْ قُنْبُلٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِنَا، وَبِذَلِكَ قَطَعَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْبَزِّيُّ وَلِقُنْبُلٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَفِي إِرْشَادِ أَبِي الْعِزِّ مِنْ طَرِيقِ النَّقَّاشِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، وَقَالَ فِي كِفَايَتِهِ: رَوَى الْبَزِّيُّ وَابْنُ فُلَيْحٍ وَالْحَمَّامِيُّ وَالْقَطَّانُ عَنْ زَيْدٍ وَبَكَّارٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ قُنْبُلٍ وَابْنِ شَنَبُوذَ وَابْنِ الصَّبَّاحِ، وَابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَنَظِيفٍ يَعْنِي عَنْ قُنْبُلٍ أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ {وَالضُّحَى} قَالَ: وَالْبَاقُونَ يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ كَثِيرٍ يُكَبِّرُونَ مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ}، وَقَالَ فِي الْمُسْتَنِيرِ: قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَبِي عَلِيٍّ الشَّرْمَقَانِيِّ عَنِ ابْنِ فُلَيْحٍ وَابْنِ ذُوَابَةَ عَنِ اللِّهْبِيَّيْنِ، وَطُرُقِ الْحَمَّامِيِّ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَعَلَى شَيْخِنَا أَبِي الْعَطَّارِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَنْ جَمِيعِ مَا قَرَأَ بِهِ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ لِابْنِ كَثِيرٍ وَعَلَى ابْنِ الْعَلَّافِ لِلْخُزَاعِيِّ وَعَلَى الْحَمَّامِيِّ عَنِ النَّقَّاشِ وَهِبَةِ اللَّهِ عَنِ اللِّهْبِيِّ، وَعَلَى ابْنِ الْفَحَّامِ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ، وَعَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْخَيَّاطِ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَعَنْ نَظِيفٍ عَنْ قُنْبُلٍ، وَعَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ طَلْحَةَ لِقُنْبُلٍ، وَعَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْفَتْحِ الْوَاسِطِيِّ لِقُنْبُلٍ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ {وَالضُّحَى} قَالَ: وَقَرَأْتُ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ رِوَايَاتٍ ابْنِ كَثِيرٍ وَطُرُقِهِ عَلَى شُيُوخِي بِالتَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ}، وَذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ الشَّنَبُوذِيِّ فَقَطْ يَعْنِي مِنْ رِوَايَتَيِ الْبَزِّيِّ، وَقُنْبُلٍ، ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ الْكَارَزِينِيَّ حَكَى أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ لِابْنِ كَثِيرٍ خَتَمَ سُورَةَ وَاللَّيْلِ وَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ قَرَأْتُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ {وَالضُّحَى}، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ بِهِ الدَّانِيُّ عَلَى الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّقَّاشِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَغَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ، وَاخْتَارَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ آخِرِ الضُّحَى كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ آخِرًا رَدَّهُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنِ الْمَكِّيِّينَ بِالتَّكْبِيرِ دَالَّةٌ عَلَى مَا ابْتَدَأْنَا بِهِ لِأَنَّ فِيهَا مَعَ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. انْتَهَى. وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ التَّكْبِيرَ مِنْ آخِرِ وَاللَّيْلِ كَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ آخِرِ وَالضُّحَى، وَمَنْ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا أَرَادَ كَوْنَهُ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا الْهُذَلِيَّ فِي كَامِلِهِ تَبَعًا لِلْخُزَاعِيِّ فِي الْمُنْتَهَى، وَإِلَّا الشَّاطِبِيَّ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ بِهِ الْبَزِّيُّ مِنْ آخِرِ الضُّحَى *** وَبَعْضٌ لَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَصَلَا وَلَمَّا رَأَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ قَوْلَهُ هَذَا مُشْكِلًا قَالَ: مُرَادُهُ بِالْآخِرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَوَّلُ السُّورَتَيْنِ، أَيْ: أَوَّلَ {أَلَمْ نَشْرَحْ} وَأَوَّلَ {وَالضُّحَى} وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مُهْمِلًا رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ مِنْ آخِرِ {وَالضُّحَى} وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ فِي ذَلِكَ، وَارْتَكَبَ فِي ذَلِكَ الْمَجَازَ وَأَخَذَ بِاللَّازِمِ فِي الْجَوَازِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَقِيقَةً لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. قَالَ الشُّرَّاحُ: قَوْلُ الشَّاطِبِيِّ وَبَعْضٌ لَهُ أَيْ: لِلْبَزِّيِّ، وَصَلَ التَّكْبِيرَ مِنْ آخِرِ سُورَةِ وَاللَّيْلِ يعني: من أَوَّلِ الضُّحَى. قَالَ أَبُو شَامَةَ: هَذَا الْوَجْهُ مِنْ زِيَادَاتِ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ، وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، قَالَ: وَرَوَى الْبَزِّيُّ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ {وَالضُّحَى} انْتَهَى. وَأَمَّا الْهُذَلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: ابْنُ الصَّبَّاحِ وَابْنُ بَقَرَةَ يُكَبِّرَانِ مِنْ خَاتِمَةِ وَاللَّيْلِ. قُلْتُ: ابْنُ الصَّبَّاحِ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّبَّاحِ وَابْنُ بَقَرَةَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَارُونَ الْمَكِّيَّانِ مَشْهُورَانِ مِنْ أَصْحَابِ قُنْبُلٍ، وَهُمَا مِمَّنْ رَوَى التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْعِزِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ اللَّيْلِ هُوَ أَوَّلُ الضُّحَى مُتَعَيِّنٌ إِذِ التَّكْبِيرُ إِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنِ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالنُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ ذِكْرِ الضُّحَى وَأَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَاللَّيْلِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ آخِرِ اللَّيْلِ هُوَ أَوَّلُ الضُّحَى كَمَا حَمَلَهُ شُرَّاحُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ. وَهُوَ الصَّوَابُ بِلَا شَكٍّ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَأَمَّا انْتِهَاءُ التَّكْبِيرِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ وَبَعْضُ الْمَشَارِقَةِ، وَغَيْرُهُمْ إِلَى انْتِهَاءِ التَّكْبِيرِ آخِرَ سُورَةِ النَّاسِ. وَذَهَبَ الْآخَرُونَ، وَهُمْ جُمْهُورُ الْمَشَارِقَةِ إِلَى أَنَّ انْتِهَاءَهُ، أَوَّلَ النَّاسِ لَا يُكَبَّرُ فِي آخِرِ النَّاسِ، وَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ التَّكْبِيرَ هَلْ هُوَ لِأَوَّلِ السُّوَرِ أَمْ لِآخِرِهَا؟ فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لِأَوَّلِ السُّورَةِ لَمْ يُكَبِّرْ فِي آخِرِ النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَ ابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ عِنْدَهُ مِنْ أَوَّلِ أَلَمْ نَشْرَحْ، أَوْ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى مِنْ جَمِيعِ مَنْ ذَكَرْنَا أَعْنِي الَّذِينَ نَصُّوا عَلَى التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ إِحْدَى السُّورَتَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ الِابْتِدَاءَ مِنْ آخِرِ الضُّحَى كَبَّرَ فِي آخِرِ النَّاسِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ ذَكَرْنَا أَعْنِي الَّذِينَ نَصُّوا عَلَى التَّكْبِيرِ مِنْ آخِرِ الضُّحَى. هَذَا هُوَ فَصْلُ النِّزَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَمَنْ وُجِدَ فِي كَلَامِهِ خِلَافٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ، أَوْ مُرَادٌ غَيْرُ ظَاهِرِهِ وَلِذَلِكَ اخْتُلِفَ فِي تَرْجِيحِ كُلٍّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو: وَالتَّكْبِيرُ مِنْ آخِرِ وَالضُّحَى بِخِلَافِ مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِهَا لِمَا فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ هَارُونَ عَنِ الْبَزِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا خَتَمْتُ وَالضُّحَى قَالَ لِي: كَبِّرْ، وَلِمَا فِي حَدِيثِ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ {أَلَمْ نَشْرَحْ} كَبَّرَ، وَلِمَا فِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ. قَالَ: وَانْقِطَاعُ التَّكْبِيرِ أَيْضًا فِي آخِرِ سُورَةِ النَّاسِ بِخِلَافِ مَا يَأْخُذُ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنِ انْقِطَاعِهِ فِي أَوَّلِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ سُورَةِ الْفَلَقِ لِمَا فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ أَلَمْ نَشْرَحْ كَبَّرَ حَتَّى يَخْتِمَ. وَلِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ وَالضُّحَى إِلَى الْحَمْدِ، وَمِنْ خَاتِمَةِ وَالضُّحَى إِلَى خَاتِمَةِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، وَلِمَا فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ وَالضُّحَى كَبَّرَ إِذَا خَتَمَ كُلَّ سُورَةٍ حَتَّى يَخْتِمَ انْتَهَى. فَانْظُرْ كَيْفَ اخْتَارَ التَّكْبِيرَ آخِرَ النَّاسِ لِكَوْنِهِ يَخْتَارُ التَّكْبِيرَ مِنْ آخِرِ الضُّحَى، وَكَذَلِكَ قَالَ كُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إِنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ آخِرِ الضُّحَى كَشَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ، وَأَبِيهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَمَكِّيِّ بْنِ شُرَيْحٍ وَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ طَاهِرِ بْنِ خَلَفٍ، وَشَيْخِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَابْنِ سُفْيَانَ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا ذَكَرَ الدَّانِيُّ إِلَّا أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ لِذَلِكَ بِرِوَايَةِ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِيهِ لَيْسَ بِظَاهِرِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ: كَبَّرَ الْبَزِّيُّ وَابْنُ فُلَيْحٍ، وَابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ قُنْبُلٍ مِنْ فَاتِحَةِ وَالضُّحَى وَفَوَاتِحِ مَا بَعْدَهَا مِنَ السُّوَرِ إِلَى سُورَةِ النَّاسِ وَكَبَّرَ الْعُمَرِيُّ وَالزَّيْنَبِيُّ وَالسُّوسِيُّ مِنْ فَاتِحَةِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} إِلَى خَاتِمَةِ النَّاسِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ التَّكْبِيرِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْفَاتِحَةِ إِلَّا مَا رَوَاهُ بَكَّارٌ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ مِنْ إِثْبَاتِهِ بَيْنَهُمَا. وَانْظُرْ كَيْفَ قَطَعَ بِعَدَمِ التَّكْبِيرِ فِي آخِرِ النَّاسِ لِكَوْنِهِ جَعَلَ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى، وَمِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ}، وَكَذَلِكَ قَالَ كُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ كَشَيْخِهِ أَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ وَكَأَبِي الْحَسَنِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ فِي غَيْرِ الْمُبْهِجِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْتُ: وَالْمَذْهَبَانِ صَحِيحَانِ ظَاهِرَانِ لَا يَخْرُجَانِ عَنِ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي شَامَةَ إِنَّ فِيهِ مَذْهَبًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ أَخْذُهُ مِنْ لَازِمِ قَوْلِ مَنْ قَطَعَهُ عَنِ السُّورَتَيْنِ، أَوْ وَصَلَهُ بِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ كَمَا نُبَيِّنُهُ فِي حُكْمِ الْإِتْيَانِ بِهِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ الْآتِي، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ ذَهَبَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو شَامَةَ لَكَانَ التَّكْبِيرُ عَلَى مَذْهَبِهِ سَاقِطًا إِذَا قُطِعَتِ الْقِرَاءَةُ عَلَى آخِرِ سُورَةٍ، أَوِ اسْتُؤْنِفَتْ سُورَةٌ وَقْتًا مَا، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ، بَلْ لَا يَجُوزُ فِي رِوَايَةِ مَنْ يُكَبِّرُ كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحُهُ فِي التَّنْبِيهِ التَّاسِعِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الشَّاطِبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِذَا كَبَّرُوا فِي آخِرِ النَّاسِ مَعَ قَوْلِهِ وَبَعْضٌ لَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ اللَّيْلِ أَوَّلُ الضُّحَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى وَإِنْهَاؤُهُ آخِرَ النَّاسِ. وَهُوَ مُشْكِلٌ لِمَا تَأَصَّلَ، بَلْ هُوَ ظَاهِرُ الْمُخَالَفَةِ لِمَا رَوَاهُ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ وَهُوَ التَّكْبِيرُ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى هُوَ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى التَّيْسِيرِ، وَهُوَ مِنَ الرَّوْضَةِ لِأَبِي عَلِيٍّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو شَامَةَ وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ أَنْ قَالَ: رَوَى الْبَزِّيُّ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ وَالضُّحَى إِلَى خَاتِمَةِ النَّاسِ، وَلَفْظُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ، تَابَعَهُ الزَّيْنَبِيُّ عَنْ قُنْبُلٍ فِي لَفْظِ التَّكْبِيرِ، وَخَالَفَهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَبَّرَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ أَلَمْ نَشْرَحْ قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ مَعَ خَاتِمَةِ {وَالنَّاسِ}، وَانْتَهَى بِحُرُوفِهِ فَهَذَا الَّذِي أَخَذَ الشَّاطِبِيُّ التَّكْبِيرَ مِنْ رِوَايَتِهِ قَطَعَ بِمَنْعِهِ مِنْ آخِرِ النَّاسِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ عَلَى تَخْصِيصِ التَّكْبِيرِ آخِرَ النَّاسِ بِمَنْ قَالَ مِنْ آخِرِ وَالضُّحَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ، وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إِذَا كَبَّرُوا فِي آخِرِ النَّاسِ أَيْ إِذَا كَبَّرَ مَنْ يَقُولُ بِالتَّكْبِيرِ فِي آخِرِ النَّاسِ، يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا بِهِ مِنْ آخِرِ وَالضُّحَى، أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى: مَنْ يُكَبِّرُ فِي آخِرِ النَّاسِ يُرْدِفُ التَّكْبِيرَ مَعَ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَمْدِ، قِرَاءَةَ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى {الْمُفْلِحُونَ} أَيْ أَنَّ هَذَا الْإِرْدَافَ مَخْصُوصٌ عَنْ تَكْبِيرِ آخِرِ النَّاسِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْلَا قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَيْ مُنْحَذِفٌ مَعَ خَاتِمَةِ النَّاسِ؛ لَكَانَ لِمَنْ يَتَشَبَّثُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا إِلَى خَاتِمَةِ النَّاسِ مَنْزَعٌ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَاتِمَةِ النَّاسِ آخِرُ الْقُرْآنِ، أَيْ حَتَّى يَخْتِمَ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ {أَلَمْ نَشْرَحْ} كَبَّرَ حَتَّى يَخْتِمَ، وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ التَّجْرِيدِ: إِلَى خَاتِمَةِ النَّاسِ- لَا يُرِيدُ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي آخِرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّكَ تَقِفُ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ وَتَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مُنْفَصِلًا فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي آخِرِ النَّاسِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ، وَكَذَا أَرَادَ ابْنُ مُؤْمِنٍ فِي الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: التَّكْبِيرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ وَالضُّحَى إِلَى آخِرِ سُورَةِ النَّاسِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَرَوَاهُ بَكَّارٌ عَنْ قُنْبُلٍ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّاسِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَأَمَّا قَوْلُ الْهُذَلِيِّ: الْبَاقُونَ يُكَبِّرُونَ مِنْ خَاتِمَةِ {وَالضُّحَى} إِلَى أَوَّلِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فِي قَوْلِ ابْنِ هَاشِمٍ قَالَ: وَفِي قَوْلِ غَيْرِهِ إِلَى خَاتِمَةِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فَإِنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا أَيْضًا، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلِ ابْنِ هَاشِمٍ: مِنْ أَوَّلِ {وَالضُّحَى} إِلَى أَوَّلِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وَابْنُ هَاشِمٍ هَذَا هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ الْمِصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِتَاجِ الْأَئِمَّةِ أُسْتَاذُ الْقِرَاءَاتِ، وَشَيْخُهَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ شَيْخُ الْهُذَلِيِّ وَشَيْخُ ابْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ. وَقَرَأَ قِرَاءَةَ ابْنِ كَثِيرٍ عَلَى أَصْحَابِ أَصْحَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ كَالْحَمَّامِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَذَّاءِ وَمَذْهَبُهُمُ ابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ وَالضُّحَى، وَانْتِهَاؤُهُ أَوَّلُ النَّاسِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُمُ الْعَارِفُونَ بِمَذْهَبِهِمْ، وَلَوْلَا صِحَّةُ طُرُقِ ابْنِ هَاشِمٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَقُلْنَا لَعَلَّ الْهُذَلِيَّ أَرَادَ بِآخِرِ الضُّحَى أَوَّلَ {أَلَمْ نَشْرَحْ}. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنِ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى، أَوْ {أَلَمْ نَشْرَحْ} قَطَعَهُ أَوَّلَ النَّاسِ، وَمَنِ ابْتَدَأَ بِهِ فِي آخِرِ الضُّحَى قَطَعَهُ آخِرَ النَّاسِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ هَذَا مُخَالَفَةً صَرِيحَةً لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو الْعِزِّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ بَكَّارٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ قُنْبُلٍ مِنَ التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى مَعَ التَّكْبِيرِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْفَاتِحَةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، فَرَوَى عَنْهُ، وَهُوَ وَهْمٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَعَلَّهُ سَبْقَ قَلَمٍ مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} إِلَى أَوَّلِ الضُّحَى لِأَنَّ أَبَا الْعِزِّ نَفْسَهُ ذَكَرَهُ عَلَى الصَّوَابِ فِي إِرْشَادِهِ فَجَعَلَ لَهُ التَّكْبِيرَ مَنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} وَكَذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْخَيَّاطُ أَكْبَرُ مَنْ أَخَذَ عَنْ أَصْحَابِ بَكَّارٍ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّوَابَ مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ آخِرَ الضُّحَى. وَعَبَّرَ عَنْ آخِرِ {وَالضُّحَى} بِأَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَحَظَ أَنَّ لِلسُّورَةِ حَظًّا مِنَ التَّكْبِيرِ، أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا، وَقَدْ يَتَعَدَّى هَذَا إِلَى وَالضُّحَى إِنْ ثَبَتَ، وَقَدْ عَرَّفْتُكَ مَا فِيهِ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ بَكَّارٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ لَيْسَتْ مِنْ طُرُقِنَا فَلْيُعْلَمْ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: فَإِنْ قُلْتَ فَمَا وَجْهُ مَنْ كَبَّرَ مِنْ أَوَّلِ وَالضُّحَى وَكَبَّرَ آخِرَ النَّاسِ؟ قُلْتُ: أَعْطَى السُّورَةَ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا مِنَ السُّوَرِ إِذْ كُلُّ سُورَةٍ مِنْهَا بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ، وَلَيْسَ التَّكْبِيرُ فِي آخِرِ النَّاسِ لِأَجْلِ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ الْخَتْمَةَ قَدِ انْقَضَتْ، وَلَوْ كَانَ لِلْفَاتِحَةِ لَشُرِعَ التَّكْبِيرُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالْبَقَرَةِ لِهَؤُلَاءِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلْخَتْمِ لَا لِافْتِتَاحِ أَوَّلِ الْقُرْآنِ. تَتِمَّةٌ: وَقَعَ فِي كَلَامِ السَّخَاوِيِّ فِي شَرْحِهِ مَا نَصُّهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَالْمَهْدَوِيُّ التَّكْبِيرَ عَنِ الْبَزِّيِّ مِنْ أَوَّلِ وَالضُّحَى، وَعَنْ قُنْبُلٍ مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} انْتَهَى. وَتَبِعَهُ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ مَكِّيٍّ أَبُو شَامَةَ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي تَذْكِرَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ وَالضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ فَإِذَا قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} كَبَّرَ، وَفِي التَّبْصِرَةِ لِمَكِّيٍّ يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ وَالضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ، وَفِي الْكَافِي لِابْنِ شُرَيْحٍ فَإِذَا خَتَمَهَا أَيِ الضُّحَى كَبَّرَ وَبَسْمَلَ بَعْدَ آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ. وَفِي الْهِدَايَةِ لِلْمَهْدَوِيِّ يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ وَالضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَكْبِيرًا مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. فَهَذَا مَا ثَبَتَ عِنْدَنَا عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي الِابْتِدَاءِ فِي التَّكْبِيرِ وَمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَنِ السُّوسِيِّ فَإِنَّ الْحَافِظَ أَبَا الْعَلَاءِ قَطَعَ لَهُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ فَاتِحَةِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} إِلَى خَاتِمَةِ النَّاسِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَطَعَ لَهُ بِهِ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبَشٍ، وَقَرَأْنَا بِذَلِكَ مِنْ طَرِيقِهِ. وَرَوَى سَائِرُ الرُّوَاةِ عَنْهُ تَرْكَ التَّكْبِيرِ كَالْجَمَاعَةِ، وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْفَصْلِ مَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ الْخَبَّازِيُّ وَابْنُ حَبَشٍ مِنَ التَّكْبِيرِ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ وَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْخُزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنَ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مِنْ جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا حُكْمُهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِمْ بِهِ فَإِنَّا لَمَّا رَأَيْنَا بَعْضَ أَئِمَّتِنَا قَدْ تَعَرَّضَ إِلَى ذَلِكَ كَالْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَالْإِمَامِ أَبِي الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ وَالْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ وَالْعَلَّامَةِ أَبِي الْحَسَنِ السَّخَاوِيِّ وَالْمُجْتَهِدِ أَبِي الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيِّ الْمَعْرُوفِ بِأَبِي شَامَةَ، وَغَيْرِهِمْ، تَعَرَّضُوا لِذِكْرِهِ فِي كُتُبِهِمْ، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ أَخْبَارًا عَنْ سَلَفِ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ ذِكْرِهِ عَلَى عَادَتِنَا فِي ذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُقْرِئُ، وَغَيْرُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ. أَخْبَرَنِي الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْوَرَّاقُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسَبْعِمِائَةٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي الْجَيْشِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ الْمَوْصِلِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعْدُونَ الْقُرْطُبِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ الصَّقَلِّيُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي يَعْنِي ابْنَ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ يَعْنِي السَّامَرِّيَّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الرَّقِّيِّ. قَالَ: حَدَّثَنِي قُنْبُلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ الْقَوْسُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مِنْ {وَالضُّحَى} إِلَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ}. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَأَرَى أَنْ يَفْعَلَهُ الرَّجُلُ إِمَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ إِمَامٍ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، بِلَفْظِهِ سَوَاءً. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَتْحِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي السَّامَرِّيَّ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ مُجَاهِدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ سُفْيَانَ الْفَسَوِيَّ الْحَافِظَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَأَلْتُ سُفْيَانَ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ قُلْتُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ رَأَيْتُ شَيْئًا رُبَّمَا فَعَلَهُ النَّاسُ عِنْدَنَا يُكَبِّرُ الْقَارِئُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا خَتَمَ، يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: رَأَيْتُ صَدَقَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً فَكَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ كَبَّرَ. وَبِهِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عِيسَى أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَرَأَ بِالنَّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنْ يُكَبِّرَ مِنْ وَالضُّحَى حَتَّى يَخْتِمَ. وَبِهِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ سَهْلٍ شَيْخَنَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عِيسَى صَلَّى بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَكَبَّرَ مِنْ وَالضُّحَى فَأَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَرَنِي بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ فَسَأَلْنَا ابْنَ جُرَيْجٍ فَقَالَ: أَنَا أَمَرْتُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ، وَرَوَى بَعْضُ عُلَمَائِنَا الَّذِينَ اتَّصَلَتْ قِرَاءَتُنَا بِهِمْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْقُرَشِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ خَلْفَ الْمَقَامِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي التَّرَاوِيحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْخَتْمَةِ كَبَّرْتُ مِنْ خَاتِمَةِ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا سَلَّمْتُ الْتَفَتُّ، وَإِذَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ قَدْ صَلَّى وَرَائِي فَلَمَّا بَصُرَ بِي قَالَ لِي: أَحْسَنْتَ أَصَبْتَ السُّنَّةَ. قُلْتُ: أَظُنُّ هَذَا الَّذِي عَنَاهُ السَّخَاوِيُّ بِبَعْضِ عُلَمَائِنَا هُوَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- إِمَّا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مُضَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ عَنْ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ الْبَلْخِيِّ نَزِيلِ طَرَسُوسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْقُرَشِيِّ الْمَكِّيِّ الْمُقْرِي الْإِمَامِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَصَاحِبِ شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَأَمَّا الْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّنَبُوذِيِّ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ مُضَرَ فَذَكَرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا أَسْنَدَهُ الدَّانِيُّ عَنِ الْبَزِّيِّ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: إِنْ تَرَكْتَ التَّكْبِيرَ، فَقَدْ تَرَكْتَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا إِلَى قُنْبُلٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُقْرِي قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الشَّهِيدِ الْحَجَبِيَّ يُكَبِّرُ خَلْفَ الْمَقَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ قُنْبُلٌ: وَأَخْبَرَنِي يَعْنِي ابْنَ الْمُقْرِي فَقَالَ لِيَ ابْنُ الشَّهِيدِ الْحَجَبِيُّ، أَوْ بَعْضُ الْحَجَبَةِ، ابْنُ الشَّهِيدِ، أَوِ ابْنُ بَقِيَّةَ شَكَّ فِي أَحَدِهِمَا. وَبِهِ قَالَ قُنْبُلٌ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ الْقَوَّاسُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الشَّهِيدِ الْحَجَبِيَّ يُكَبِّرُ خَلْفَ الْمَقَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ قُنْبُلٌ: وَأَخْبَرَنِي رُكَيْنُ بْنُ الْحُصَيْبِ مَوْلَى الْجُبَيْرِيِّينَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الشَّهِيدِ الْحَجَبِيَّ يُكَبِّرُ خَلْفَ الْمَقَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حِينَ خَتَمَ، مِنْ وَالضُّحَى يَعْنِي فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو عَنْ قُنْبُلٍ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا. وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ الْمُجْمَعُ عَلَى تَقَدُّمِهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعِيدِيُّ الرَّازِيُّ، ثُمَّ الشِّيرَازِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ تَبْصِرَةِ الْبَيَانِ فِي الْقِرَاءَاتِ الثَّمَانِ مَا هَذَا نَصُّهُ: ابْنُ كَثِيرٍ يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ وَالضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي لَفْظِ التَّكْبِيرِ فَكَبَّرَ قُنْبُلٌ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْبَزِّيُّ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يَسْكُتُ فِي آخِرِ السُّورَةِ وَيَصِلُ التَّكْبِيرَ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا. قَالَ الْأُسْتَاذُ الزَّاهِدُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ إِمَامُ الْقُرَّاءِ فِي عَصْرِهِ بِخُرَاسَانَ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ: وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْمُكَبِّرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ كَثِيرٍ التَّهْلِيلُ، وَهُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. فَقَدْ ثَبَتَ التَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ فُقَهَائِهِمْ، وَقُرَّائِهِمْ وَنَاهِيكَ بِالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنِ كَثِيرٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَمْ نَجِدْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ نَصًّا حَتَّى أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مَعَ ثُبُوتِهِ عَنْ إِمَامِهِمْ فَلَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ نَصًّا فِيهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمُ الْمَبْسُوطَةِ، وَلَا الْمُطَوَّلَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْفِقْهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ اسْتِطْرَادًا الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ وَالْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو شَامَةَ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الَّذِينَ كَانَ يُفْتَى بِقَوْلِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ بِالشَّامِ، بَلْ هُوَ مِمَّنْ وَصَلَ إِلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَحَازَ وَجَمَعَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُ وَحَازَ خُصُوصًا فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَالْقِرَاءَاتِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي مِنْ لَفْظِهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ حَافِظُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ الْعَلَّامَةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَزَارِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ شَيْخِهِمْ قَالَ: سَمِعْتُ وَالِدِي يَقُولُ: عَجِبْتُ لِأَبِي شَامَةَ كَيْفَ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ نَعَمْ، بَلَغَنَا عَنْ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ وَزَاهِدِهِمْ وَوَرِعِهِمْ فِي عَصْرِنَا الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ الْخَطِيبِ أَبِي الثَّنَاءِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْلَةَ الْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ بِدِمَشْقَ الَّذِي لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ، وَرُبَّمَا عَمِلَ بِهِ فِي التَّرَاوِيحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَرَأَيْتُ أَنَا غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا يَعْمَلُ بِهِ وَيَأْمُرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ إِذَا وَصَلَ فِي الْإِحْيَاءِ إِلَى الضُّحَى قَامَ بِمَا بَقِيَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ يُكَبِّرُ إِثْرَ كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَشْرُوعِيَّةُ ذَلِكَ فَإِذَا انْتَهَى إِلَى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} كَبَّرَ فِي آخِرِهَا ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَانِيًا لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ. وَفَعَلْتُ أَنَا كَذَلِكَ مَرَّاتٍ لَمَّا كُنْتُ أَقُومُ بِالْإِحْيَاءِ إِمَامًا بِدِمَشْقَ وَمِصْرَ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فَإِنَّهُمْ يُكَبِّرُونَ إِثْرَ كُلِّ سُورَةٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُونَ لِلرُّكُوعِ، وَذَلِكَ إِذَا آثَرَ التَّكْبِيرَ آخِرَ السُّورَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ إِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَأَرَادَ الشُّرُوعَ فِي السُّورَةِ كَبَّرَ وَبَسْمَلَ وَابْتَدَأَ السُّورَةَ. وَخَتَمَ مَرَّةً صَبِيٌّ فِي التَّرَاوِيحِ فَكَبَّرَ عَلَى الْعَادَةِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةُ فَرَأَيْتُ صَاحِبَنَا الشَّيْخَ الْإِمَامَ زَيْنَ الدِّينِ عُمَرَ بْنَ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَهُوَ يُنْكِرُ عَلَى ذَلِكَ الْمُنْكِرِ وَيُشَنِّعُ عَلَيْهِ وَيَذْكُرُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي حَكَاهُ السَّخَاوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ وَيَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ الْخَطِيبَ ابْنَ جُمْلَةَ لَقَدْ كَانَ عَالِمًا مُتَيَقِّظًا مُتَحَرِّيًا. ثُمَّ رَأَيْتُ كِتَابَ الْوَسِيطِ تَأْلِيفَ الْإِمَامِ الْكَبِيرِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ الرَّازِيِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِيهِ مَا هُوَ نَصٌّ عَلَى التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا فِي صِيغَةِ التَّكْبِيرِ. وَالْقَصْدُ أَنَّنِي تَتَبَّعْتُ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَمْ أَرَ لَهُمْ نَصًّا فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ، وَكَذَلِكَ لَمْ أَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلَا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالَ الْفَقِيهُ الْكَبِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ فِي كِتَابِ الْفُرُوعِ لَهُ: وَهَلْ يُكَبَّرُ لِخَتْمَةٍ مِنَ الضُّحَى، أَوْ {أَلَمْ نَشْرَحْ} آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَمْ تَسْتَحِبَّهُ الْحَنَابِلَةُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ ابْنِ كَثِيرٍ وَقِيلَ وَيُهَلِّلُ. انْتَهَى. قُلْتُ: وَلَمَّا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بِالْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَّا يُكَبِّرُ مِنَ الضُّحَى عِنْدَ الْخَتْمِ فَعَلِمْتُ أَنَّهَا سُنَّةٌ بَاقِيَةٌ فِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. ثُمَّ الْعَجَبُ مِمَّنْ يُنْكِرُ التَّكْبِيرَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَيُجِيزُ مَا يُنْكَرُ فِي صَلَوَاتٍ غَيْرِ ثَابِتَةٍ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ كَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْحُفَّاظِ لَا يُثْبِتُونَ حَدِيثَهَا فَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كِتَابِ الْبَحْرِ: يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ، وَذَكَرَهَا أَيْضًا صَاحِبُ الْمُنْيَةِ فِي الْفَتَاوَى مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ صَدْرُ الْقُضَاةِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَسْأَلَةٍ وَيُكْرَهُ التَّكْرَارُ وَعَدُّ الْآيِ: فَى الصَّلَاةِ وَمَا رُوِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ الْإِخْلَاصَ كَذَا مَرَّةً وَنَحْوَهُ فَلَمْ يُصَحِّحْهَا الثِّقَاتُ، أَمَّا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ، فَقَدْ أَوْرَدَهَا الثِّقَاتُ، وَهِيَ صَلَاةٌ مُبَارَكَةٌ، وَفِيهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ، وَمَنَافِعُ كَثِيرَةٌ، وَرَوَاهَا الْعَبَّاسُ، وَابْنُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. قُلْتُ: وَقَدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي اسْتِحْبَابِهَا فَمَنَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ، وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سَبِّحْ: وَأَمَّا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ الْمَعْرُوفَةُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ فِيهَا خِلَافَ الْعَادَةِ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ جَاءَ فِيهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهَا الْمَحَامِلِيُّ، وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ انْتَهَى.
أَمَّا صِيغَتُهُ فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ أَثْبَتَهُ أَنَّ لَفْظَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَكِنِ اخْتُلِفَ عَنِ الْبَزِّيِّ وَعَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ قُنْبُلٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الْبَزِّيُّ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ عَنْهُ هَذَا اللَّفْظَ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَا نَقْصٍ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالضُّحَى}، أَوْ {أَلَمْ نَشْرَحْ} وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْعُنْوَانِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ بِهِ وَأَخَذَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَيْضًا فِي الْمُبْهِجِ، وَفِي التَّيْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْفَارِسِيِّ عَنْ قِرَاءَتِهِ بِذَلِكَ عَلَى النَّقَّاشِ عَنْهُ، وَعَلَى أَبِي الْحَسَنِ، وَعَلَى أَبِي الْفَتْحِ عَنْ قِرَاءَتِهِ بِذَلِكَ عَنِ السَّامَرِّيِّ فِي رِوَايَةِ الْبَزِّيِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِبَةً سِوَاهُ مِنْ طُرُقِ أَبِي رَبِيعَةَ كُلِّهَا سِوَى طَرِيقِ هِبَةِ اللَّهِ عَنْهُ، وَرَوَى الْآخَرُونَ عَنْهُ التَّهْلِيلَ مِنْ قَبْلِ التَّكْبِيرِ، وَلَفْظَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَهَذِهِ طَرِيقُ ابْنِ الْحُبَابِ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَهُوَ طَرِيقُ هِبَةِ اللَّهِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ وَابْنِ الْفَرَحِ أَيْضًا عَنِ الْبَزِّيِّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، وَعَلَى أَبِي الْفَرَحِ النَّجَّارِ أَعْنِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْحُبَابِ، وَهُوَ وَجْهٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنِ الْبَزِّيِّ بِالنَّصِّ كَمَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التُّونِسِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَنْسِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُرْسِيِّ. أَخْبَرَنَا وَالِدِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحَافِظِ حَدَّثَنَا فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ الْحَسَنِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَالِمٍ الْخُتُلِّيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَزِّيَّ عَنِ التَّكْبِيرِ كَيْفَ هُوَ وَحُكْمُهُ بَيْنَ السُّوَرِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو: وَابْنُ الْحُبَابِ هَذَا مِنَ الْإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ وَصِدْقِ اللَّهْجَةِ بِمَكَانٍ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ انْتَهَى. عَلَى أَنَّ ابْنَ الْحُبَابِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ فَقَالَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ الْوَلِيُّ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَسِيطِ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ يَعْنِي ابْنَ الْحُبَابِ، بَلْ حَدَّثَنِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اللُّكِّيُّ عَنِ الشَّذَائِيِّ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ الشَّارِبِ عَنِ الزَّيْنَبِيِّ وَهِبَةِ اللَّهِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ وَابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ الْمَشَايِخَ يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ السَّعِيدِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ الْبَزِّيُّ يَعْنِي مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ طَرِيقَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْخُزَاعِيِّ كِلَاهُمَا عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأَغَرِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ صَدَّقَهُ رَبُّهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الْآخِذُونَ بِالتَّهْلِيلِ مَعَ التَّكْبِيرِ عَنِ ابْنِ الْحُبَابِ فَرَوَاهُ جُمْهُورُهُمْ كَذَلِكَ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَفْظَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَقَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُبَسْمِلُونَ وَهَذِهِ طَرِيقُ أَبِي طَاهِرِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ الْحُبَابِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَذْكُورِ عَنِ ابْنِ الْحُبَابِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ فَرَحٍ أَيْضًا عَنِ الْبَزِّيِّ. وَكَذَا رَوَاهُ الْغَضَائِرِيُّ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ وَابْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَسِيطِ، وَقَدْ حَكَى لَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي الْأُسْتَاذَ أَبَا الْحَسَنِ الْحَمَّامِيَّ عَنْ زَيْدٍ، وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ التَّهْلِيلَ قَبْلَهَا وَالتَّحْمِيدَ بَعْدَهَا، بِلَفْظَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بِمُقْتَضَى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْخُزَاعِيُّ أَيْضًا، وَأَبُو الْكَرَمِ عَنِ ابْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا الْخُزَاعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَهَى عَنِ ابْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ. قُلْتُ: يُشِيرُ الرَّازِيُّ إِلَى مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَبَلَغْتَ قِصَارَ الْمُفَصَّلِ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ، وَأَمَّا قُنْبُلٌ فَقَطَعَ لَهُ جُمْهُورُ مَنْ رَوَى التَّكْبِيرَ عَنْهُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ بِالتَّكْبِيرِ فَقَطْ، وَهُوَ الَّذِي فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَتَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِ، وَالْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمَشَارِقَةِ عَلَى التَّهْلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى قَطَعَ لَهُ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَقَطَعَ بِذَلِكَ لَهُ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَفِي الْمُبْهِجِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ سَوَّارٍ فِي الْمُسْتَنِيرِ قَرَأْتُ بِهِ لِقُنْبُلٍ قَرَأْتُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ لَهُ بِهِ أَيْضًا ابْنُ فَارِسٍ فِي جَامِعِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ شَنَبُوذَ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ قُنْبُلٍ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ خَاصَّةً بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ مِنْ فَاتِحَةِ وَالضُّحَى عَلَى اخْتِلَافِ شُيُوخِنَا الَّذِينَ قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَمَرَنِي بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَمَرَنِي مِنْ أَوَّلِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْقَنْطَرِيِّ، وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَالْوَجْهَانِ يَعْنِي التَّهْلِيلَ مَعَ التَّكْبِيرِ وَالتَّكْبِيرَ وَحْدَهُ عَنِ الْبَزِّيِّ وَقُنْبُلٍ صَحِيحَانِ جَيِّدَانِ مَشْهُورَانِ مُسْتَعْمَلَانِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ، وَقَدْ حَكَى لَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الْبَزِّيِّ التَّهْلِيلَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدَ بَعْدَهُ بِمُقْتَضَى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمِ إِلَّا أَنَّ أَبَا الْبَرَكَاتِ بْنَ الْوَكِيلِ رَوَى عَنْ رِجَالِهِ عَنِ ابْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَعَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا حُكْمُ الْإِتْيَانِ بِالتَّكْبِيرِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ يَقْصِدُ التَّكْبِيرَ فَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ بِآخِرِ السُّورَةِ وَالْقَطْعِ عَلَيْهِ، التَّكْبِيرُ وَفِي الْقَطْعِ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ وَوَصْلِهِ بِمَا بَعْدَهُ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ لِآخِرِ السُّورَةِ، أَوْ لِأَوَّلِهَا وَيَتَأَتَّى عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي حَالَةِ وَصْلِ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ الْأُخْرَى، أَوْجُهُ التَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ يَمْتَنِعُ مِنْهَا وَجْهٌ إِجْمَاعًا، وَهُوَ وَصْلُ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ وَبِالْبَسْمَلَةِ مَعَ الْقَطْعِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مُنْفَصِلَةً عَنْهَا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرٍ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَتَبْقَى سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مُحْتَمَلَةَ الْجَوَازِ مَنْصُوصَةً لِمَنْ نَذْكُرُهَا لَهُ، مِنْهَا اثْنَانِ مُخْتَصَّانِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ لِآخِرِ السُّورَةِ وَاثْنَانِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مُحْتَمَلَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. فَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ لِآخِرِ السُّورَةِ فَالْأَوَّلُ مِنْهَا وَصْلُ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ وَالْقَطْعُ عَلَيْهِ وَوَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ {فَحَدِّثْ} اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ نَشْرَحْ}، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَقَالَ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ الْجَيِّدُ، وَبِهِ قَرَأْتُ، وَبِهِ آخُذُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الدَّانِيُّ فِي التَّيْسِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي مُفْرَدَاتِهِ سِوَاهُ، وَهُوَ أَحَدُ اخْتِيَارَاتِهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّجْرِيدِ أَيْضًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي الْكَافِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ وَأَبُو شَامَةَ وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ. وَالثَّانِي وَصْلُ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ، وَالْقَطْعُ عَلَيْهِ، وَالْقَطْعُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ {فَحَدِّثْ} اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو مَعْشَرٍ فِي تَلْخِيصِهِ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْخُزَاعِيِّ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَاسِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا، وَابْنُ مُؤْمِنٍ فِي كَنْزِهِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ جَارِيَانِ عَلَى قَوَاعِدِ مَنْ أَلْحَقَ التَّكْبِيرَ بِآخِرِ السُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمَا نَصًّا إِلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَكِّيٍّ فِي تَبْصِرَتِهِ مَنْعُهُمَا مَعًا، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى التَّكْبِيرِ دُونَ أَنْ يَصِلَهُ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ بِأَوَّلِ السُّورَةِ الْمُؤْتَنِفَةِ فَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَنْعُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ: أَوَّلًا يُكَبِّرُ مِنْ خَاتِمَةِ وَالضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ مَعَ خَاتِمَةِ كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَلِكَ إِذْ قَرَأَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ وَيُبَسْمِلُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ لِآخِرِ السُّورَةِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ أَثْبَتَهُ فِي آخِرِ النَّاسِ وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ لَكَانَ مَنْعُهُ لَهُمَا ظَاهِرًا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ التَّكْبِيرِ لِأَوَّلِ السُّورَةِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا قَطْعُهُ عَنْ آخِرِ السُّورَةِ وَوَصْلُهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَوَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِأَوَّلِ السُّورَةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ {فَحَدِّثْ} اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ وَابْنِ شَيْطَا وَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ مُؤْمِنٍ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ مَنْ جَعَلَ التَّكْبِيرَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ التَّيْسِيرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَقَالَ فِيهِ وَفِي جَامِعِ الْبَيَانِ: إِنَّهُ قَرَأَ بِهِ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْفَارِسِيِّ عَنِ النَّقَّاشِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنِ الْبَزِّيِّ، وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ أَيْضًا. قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَنْ طُرُقِ التَّيْسِيرِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَحَكَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكَافِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُبْهِجِ عَنِ الْبَزِّيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْخُزَاعِيِّ عَنْهُ، وَعَنْ قُنْبُلٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ خُشْنَامَ وَابْنِ الشَّارِبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِفَايَتِهِ سِوَاهُ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الرَّوْضَةِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ ابْنِ كَثِيرٍ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُنْفَصِلٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَا يُخْلَطُ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَكَى أَبُو الْعِزِّ فِي الْإِرْشَادِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْكِفَايَةِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الْفَحَّامِ وَالْمُطَّوِّعِيِّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: إِنْ شِئْتَ وَقَفْتَ عَلَى التَّكْبِيرِ يَعْنِي بَعْدَ قَطْعِهِ عَنِ السُّورَةِ الْمَاضِيَةِ وَابْتَدَأْتَ بِالتَّسْمِيَةِ مَوْصُولَةً بِالسُّورَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَأْتِي فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ، وَهُوَ مِنَ الثَّانِي مِنْهَا، وَكَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ فِي الْغَايَةِ قَالَ: سِوَى الْفَحَّامِ ذَكَرَ لَهُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَبَيْنَ الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا قَالَ أَبُو الْعِزِّ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْهُمَا قَطْعُ التَّكْبِيرِ عَنْ آخِرِ السُّورَةِ وَوَصْلُهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالسَّكْتُ، ثُمَّ الِابْتِدَاءُ بِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ {فَحَدِّثْ} اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُؤْمِنٍ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَمَنَعَهُ الْجَعْبَرِيُّ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ لِآخِرِ السُّورَةِ وَإِلَّا فَعَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَوَّلِهَا لَا يَظْهَرُ لِمَنْعِهِ وَجْهٌ إِذْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَالِاسْتِعَاذَةِ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ وَصْلِهَا بِالْبَسْمَلَةِ، وَقَطْعِ الْبَسْمَلَةِ عَنِ الْقِرَاءَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهَا، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَظْهَرَانِ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ السَّعِيدِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حُكْمِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ الْبَاقِيَةِ الْجَائِزَةِ فَى أَوْجُهِ التَّكْبِيرِ بَيْنَ السُّورِ عَلَى كُلٍّ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ فَالْأَوَّلُ مِنْهَا وَصْلُ الْجَمِيعِ أَيَ وَصْلُ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ وَالْبَسْمَلَةِ بِهِ وَبِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ {فَحَدِّثْ} اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} نَصَّ عَلَيْهِ الدَّانِيُّ وَالشَّاطِبِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُبْهِجِ عَنِ الْبَزِّيِّ مِنْ طَرِيقِ الْخُزَاعِيِّ. وَالثَّانِي مِنْهَا قَطْعُ التَّكْبِيرِ عَنْ آخِرِ السُّورَةِ، وَعَنِ الْبَسْمَلَةِ وَوَصْلُ الْبَسْمَلَةِ بِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ {فَحَدِّثْ}، اللَّهُ أَكْبَرُ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو مَعْشَرٍ فِي التَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَهُ الْمَهْدَوِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا ابْنُ مُؤْمِنٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ اخْتِيَارُ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ. قُلْتُ: وَلَمْ أَرَهُ فِي التَّذْكِرَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَنَقَلَهُ فِيهِ أَيْضًا عَنْ شَيْخِهِ الْفَارِسِيِّ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْعِزِّ فِي الْكِفَايَةِ عَنِ الْفَحَّامِ وَالْمُطَّوِّعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ عَنِ الْفَحَّامِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْفَاسِيُّ وَالْجَعْبَرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْحُلَيْمِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمِنْهَاجِ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ التَّكْبِيرَ مِنْ وَالضُّحَى إِلَى آخِرِ النَّاسِ: وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّهُ كُلَّمَا خَتَمَ سُورَةً وَقَفَ وَقْفَةً، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَوَقَفَ وَقْفَةً، ثُمَّ ابْتَدَأَ السُّورَةَ الَّتِي تَلِيهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ كَبَّرَ. وَالثَّالِثُ مِنْهَا: قَطْعُ الْجَمِيعِ أَيْ قَطْعُ التَّكْبِيرِ عَنِ السُّورَةِ الْمَاضِيَةِ، وَعَنِ الْبَسْمَلَةِ، وَقَطْعُ الْبَسْمَلَةِ عَنِ السُّورَةِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ {فَحَدِّثْ} اللَّهُ أَكْبَرُ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ نَشْرَحْ} يَظْهَرُ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو فِي جَامِعِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تُوصَلْ- يَعْنِي التَّسْمِيَةَ بِالتَّكْبِيرِ- جَازَ الْقَطْعُ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ جَوَازَ الْقَطْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقَطْعَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ فَكَانَ هَذَا الْوَجْهُ كَالنَّصِّ مِنْ كَلَامِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُؤْمِنٍ فِي الْكَنْزِ، وَكُلٌّ مِنَ الْفَاسِيِّ وَالْجَعْبَرِيِّ فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ وَلَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ مَكِّيٍّ الْمُتَقَدِّمِ مَنْعُهُ، بَلْ هُوَ صَرِيحُ نَصِّهِ فِي الْكَشْفِ حَيْثُ مَنَعَ فِي وَجْهِ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ قَطْعَهَا عَنِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ السَّبْعَةَ جَائِزَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا، قَرَأَ بِهَا عَلَى كُلِّ مَنْ قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّيُوخِ، وَبِهَا آخُذُ، وَنَصَّ عَلَيْهَا كُلِّهَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْوَاسِطِيُّ فِي كَنْزِهِ وَيَتَأَتَّى عَلَى كُلٍّ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، وَهِيَ الْوَجْهَانِ الْمُخْتَصَّانِ بِأَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ، وَالثَّلَاثَةُ الْجَائِزَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَبَقِيَ هُنَا تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالْقَطْعِ وَالسَّكْتِ فِي أَوْجُهُ التَّكْبِيرِ بَيْنَ السُّوَرِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا هُوَ الْوَقْفُ الْمَعْرُوفُ لَا الْقَطْعُ الَّذِي هُوَ الْإِعْرَابُ، وَلَا السَّكْتُ الَّذِي هُوَ دُونَ تَنَفُّسٍ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ. وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ تَقِفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ وَتَبْدَأَ بِالتَّكْبِيرِ، أَوْ تَقِفَ عَلَى التَّكْبِيرِ وَتَبْدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عَلَى الْبَسْمَلَةِ- وَمَكِّيٌّ فِي تَبْصِرَتِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى التَّكْبِيرِ دُونَ أَنْ تَصِلَهُ بِالْبَسْمَلَةِ- وَأَبُو الْعِزِّ بِقَوْلِهِ: وَاتَّفَقَ الْجَمَاعَةُ يَعْنِي رُوَاةَ التَّكْبِيرِ أَنَّهُمْ يَقِفُونَ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ وَيَبْتَدِئُونَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّهُمْ يَسْكُتُ عَلَى خَوَاتِيمِ السُّوَرِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ غَيْرَ الْفَحَّامِ عَنْ رِجَالِهِ فَإِنَّهُ خَيَّرَ بَيْنَ الْوَقْفِ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ الِابْتِدَاءِ بِالتَّكْبِيرِ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّكْتِ الْمُتَقَدِّمِ الْوَقْفَ- وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ بِقَوْلِهِ: وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّكَ تَقِفُ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ وَتَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مُنْفَصِلًا مِنَ التَّسْمِيَةِ- وَابْنُ سَوَّارٍ، بِقَوْلِهِ: وَصِفَتُهُ أَنْ يَقِفَ وَيَبْتَدِئَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ شُرَيْحٍ وَسِبْطِ الْخَيَّاطِ وَالدَّانِيِّ وَالسَّخَاوِيِّ وَأَبِي شَامَةَ، وَغَيْرِهِمْ وَزَعَمَ الْجَعْبَرِيُّ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَطْعِ فِي قَوْلِهِمْ هُوَ السَّكْتُ الْمَعْرُوفُ كَمَا زَعَمَ ذَلِكَ فِي الْبَسْمَلَةِ، قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّاطِبِيِّ: فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ دُونَهُ. مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ أَيْ فَاسْكُتْ، وَلَوْ قَالَهَا لَأَحْسَنَ إِذِ الْقَطْعُ عَامٌّ فِيهِ وَالْوَقْفُ انْتَهَى. وَهُوَ شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ لَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْأَدَاءِ كَمَكِّيٍّ وَالْحَافِظِ الدَّانِيِّ حَيْثُ عَبَّرَا بِالسَّكْتِ عَنِ الْوَقْفِ فَحَسِبَ أَنَّهُ السَّكْتُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْظُرْ آخِرَ كَلَامِهِمْ، وَلَا مَا صَرَّحُوا بِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ السَّكْتِ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذَا أَطْلَقُوا لَا يُرِيدُونَ بِهِ إِلَّا الْوَقْفَ، وَإِذَا أَرَادُوا بِهِ السَّكْتَ الْمَعْرُوفَ قَيَّدُوهُ بِمَا يَصْرِفُهُ إِلَيْهِ.
الثَّانِي: لَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِي أَوْجُهُ التَّكْبِيرِ بَيْنَ السُّورِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ السَّبْعَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهَا كُلِّهَا بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَكُنِ اخْتِلَالًا فِي الرِّوَايَةِ، بَلْ هُوَ مِنِ اخْتِلَافِ التَّخْيِيرِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْجَائِزَةِ ثَمَّ. نَعَمِ الْإِتْيَانُ بِوَجْهٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِكَوْنِ التَّكْبِيرِ لِآخِرِ السُّورَةِ وَبِوَجْهٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِكَوْنِهِ لِأَوَّلِهَا، أَوْ بِوَجْهٍ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا مُتَعَيِّنٌ إِذِ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التِّلَاوَةِ بِهِ إِذَا قَصَدَ جَمْعَ تِلْكَ الطُّرُقِ. وَقَدْ كَانَ الْحَاذِقُونَ مِنْ شُيُوخِنَا يَأْمُرُونَنَا بِأَنْ نَأْتِيَ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ بِوَجْهٍ مِنَ الْخَمْسَةِ لِأَجْلِ حُصُولِ التِّلَاوَةِ بِجَمِيعِهَا، وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَا يَلْزَمُ، بَلِ التِّلَاوَةُ بِوَجْهٍ مِنْهَا إِذَا حَصَلَ مَعْرِفَتُهَا مِنَ الشَّيْخِ كَافٍ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
الثَّالِثُ: التَّهْلِيلُ مَعَ التَّكْبِيرِ مَعَ الْحَمْدَلَةِ عِنْدَ مَنْ رَوَاهُ، حُكْمُهُ حُكْمُ التَّكْبِيرِ لَا يَفْصِلُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، بَلْ يُوصَلُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، كَذَا وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ، وَكَذَا قَرَأْنَا، لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُهُ مَعَ آخِرِ السُّورَةِ وَالْبَسْمَلَةِ وَأَوَّلِ السُّورَةِ الْأُخْرَى حُكْمُ التَّكْبِيرِ، تَأْتِي مَعَهُ الْأَوْجُهُ السَّبْعَةُ كَمَا فَصَّلْنَا إِلَّا أَنِّي لَا أَعْلَمُنِي قَرَأْتُ بِالْحَمْدَلَةِ بَعْدَ سُورَةِ النَّاسِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَعَ وَجْهِ الْحَمْدَلَةِ سِوَى الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْجَائِزَةِ مَعَ تَقْدِيرِ كَوْنِ التَّكْبِيرِ لِأَوَّلِ السُّورَةِ، وَعِبَارَةُ الْهُذَلِيِّ لَا تَمْنَعُ التَّقْدِيرَ الثَّانِيَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. نَعَمْ يَمْتَنِعُ وَجْهُ الْحَمْدَلَةِ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
الرَّابِعُ: تَرْتِيبُ التَّهْلِيلِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَالْبَسْمَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَازِمٌ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ. كَذَلِكَ وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ وَثَبَتَ الْأَدَاءُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْهُذَلِيُّ عَنْ قُنْبُلٍ مِنْ طَرِيقِ نَظِيفٍ فِي تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذَكَرَ طَرِيقَ نَظِيفٍ عَنْهُ سِوَى الْهُذَلِيِّ أَسْنَدَ هَذِهِ الطَّرِيقَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ غَلْبُونَ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْنُ غَلْبُونَ فِي إِرْشَادِهِ، وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى هَذِهِ الطَّرِيقَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ غَلْبُونَ الْمَذْكُورِ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
الْخَامِسُ: لَا يَجُوزُ التَّكْبِيرُ فِي رِوَايَةِ السُّوسِيِّ إِلَّا فِي وَجْهِ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ التَّكْبِيرِ لَا يُجِيزُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ سِوَى الْبَسْمَلَةِ وَيُحْتَمَلُ مَعَهُ كُلٌّ مِنَ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِلَّا أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى الْمَاضِيَةِ أَحْسَنُ عَلَى مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ عِنْدَهُ لَيْسَتْ آيَةً بَيْنَ السُّورَتَيْنِ كَمَا هِيَ عِنْدَ ابْنِ كَثِيرٍ، بَلْ هِيَ عِنْدَهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْبِيرُ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى لِأَنَّهُ خِلَافُ رِوَايَتِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
السَّادِسُ: لَا تَجُوزُ الْحَمْدَلَةُ مَعَ التَّكْبِيرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ التَّهْلِيلُ مَعَهُ، كَذَا وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَشْهَدَ لِذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ: كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْمُرُونَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُتْبِعُهَا بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الْآيَةَ، ثُمَّ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلْيَقُلْ عَلَى أَثَرِهَا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
السَّابِعُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي الْجَامِعِ: وَإِذَا وَصَلَ الْقَارِئُ أَوَاخِرَ السُّورَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَحْدَهُ كَسَرَ مَا كَانَ آخِرَهُنَّ، سَاكِنًا كَانَ أَوْ مُتَحَرِّكًا، قَدْ لَحِقَهُ التَّنْوِينُ فِي حَالِ نَصْبِهِ، أَوْ خَفْضِهِ، أَوْ رَفْعِهِ لِسُكُونِ ذَلِكَ وَسُكُونِ اللَّامِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَالسَّاكِنُ نَحْوُ قَوْلِهِ: {فَحَدِّثْ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{فَارْغَبْ} اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ; وَالْمُتَحَرِّكُ الْمُنَوَّنُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَوَّابًا} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{لَخَبِيرٌ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{مِنْ مَسَدٍ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَإِنْ تَحَرَّكَ آخِرُ السُّورَةِ بِالْفَتْحِ، أَوِ الْخَفْضِ، أَوِ الرَّفْعِ، وَلَمْ يَلْحَقْ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَ تَنْوِينٌ فُتِحَ الْمَفْتُوحُ مِنْ ذَلِكَ وَكُسِرَ الْمَكْسُورُ وَضُمَّ الْمَضْمُومُ، لَا غَيْرَ، فَالْمَفْتُوحُ نَحْوُ قَوْلِهِ: {الْحَاكِمِينَ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{إِذَا حَسَدَ} اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْمَكْسُورُ نَحْوُ قَوْلِهِ: {عَنِ النَّعِيمِ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالْمَضْمُومُ نَحْوُ قَوْلِهِ: {هُوَ الْأَبْتَرُ} اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَإِنْ كَانَ آخِرُ السُّورَةِ هَاءَ ضَمِيرٍ مَوْصُولَةً بِوَاوٍ فِي اللَّفْظِ تُحْذَفُ صِلَتُهَا لِلسَّاكِنَيْنِ، سُكُونِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا، نَحْوَ قَوْلِهِ: {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{شَرًّا يَرَهُ} اللَّهُ أَكْبَرُ. وَأَلِفُ الْوَصْلِ الَّتِي فِي أَوَّلِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَاقِطَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فِي حَالِ الدَّرْجِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِمَا اتَّصَلَ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ بِالسَّاكِنِ الَّذِي تُجْتَلَبُ لِأَجْلِهِ، وَاللَّامُ مَعَ الْكَسْرَةِ مُرَقَّقَةٌ، وَمَعَ الْفَتْحَةِ وَالضَّمَّةِ مُفَخَّمَةٌ، انْتَهَى. وَهُوَ مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَاءِ الذَّاهِبِينَ إِلَى وَصْلِ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّورَةِ، وَلَمْ يَخْتَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ مَا اخْتَارَ فِي الْأَرْبَعِ الزُّهْرِ عِنْدَ {وَيْلٌ}، وَلَا عِنْدَ {الْأَبْتَرُ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا عِنْدَ {حَسَدٍ} اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا فِي نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِأُصُولِ الرِّوَايَاتِ يُنْكِرُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلِهَذَا تَعَرَّضْتُ لَهُ وَحَكَيْتُ نَصَّ الدَّانِيِّ وَتَمْثِيلَهُ بِهِ بِحُرُوفِهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ.
الثَّامِنُ: إِذَا وَصَلَ الْقَارِئُ التَّهْلِيلَ بِآخِرِ السُّورَةِ أَبْقَى مَا كَانَ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ عَلَى حَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَنْوِينًا فَإِنَّهُ يُدْغَمُ نَحْوَ {لَخَبِيرٌ} لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَعْتَبِرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَوَاخِرِ السُّوَرِ عِنْدَ لَا مَا اعْتَبَرُوهُ مَعَهَا فِي وَجْهِ الْوَصْلِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ {لَا أُقْسِمُ} وَغَيْرِهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ إِجْرَاءُ وَجْهِ مَدِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عِنْدَ مَنْ أَجْرَى الْمَدَّ لِلتَّعْظِيمِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْمَدِّ، بَلْ كَانَ بَعْضُ مَنْ أَخَذْنَا عَنْهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْمُحَقِّقِينَ يَأْخُذُونَ بِالْمَدِّ فِيهِ مُطْلَقًا مَعَ كَوْنِهِمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِالْمَدِّ لِلتَّعْظِيمِ فِي الْقُرْآنِ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا قَصَرَ ابْنُ كَثِيرٍ الْمُنْفَصِلَ فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا الْمُرَادُ بِهِ هُنَا هُوَ الذِّكْرُ فَيَأْخَذُ بِمَا يَخْتَارُ فِي الذِّكْرِ، وَهُوَ الْمَدُّ لِلتَّعْظِيمِ فِي الذِّكْرِ مُبَالَغَةً لِلنَّفْيِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْنَا لَا يَأْخُذُ فِيهِ إِلَّا بِالْقَصْرِ مَشْيًا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي الْمُنْفَصِلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَرِيبٌ مَأْخُوذٌ بِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
التَّاسِعُ: إِذَا قُرِئَ بِرِوَايَةِ التَّكْبِيرِ وَإِرَادَةِ الْقَطْعِ عَلَى آخِرِ سُورَةٍ فَمَنْ قَالَ: إِنَّ التَّكْبِيرَ لِآخِرِ السُّورَةِ كَبَّرَ، وَقَطَعَ الْقِرَاءَةَ، وَإِذَا أَرَادَ الِابْتِدَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بَسْمَلَ لِلسُّورَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ التَّكْبِيرَ لِأَوَّلِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ، فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالسُّورَةِ الَّتِي تَلِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ إِذْ لَا بُدَّ مِنَ التَّكْبِيرِ إِمَّا لِآخِرِ السُّورَةِ، أَوْ لِأَوَّلِهَا حَتَّى لَوْ سَجَدَ فِي آخِرِ الْعَلَقِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ أَوَّلًا لِآخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلسَّجْدَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلْآخِرِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلسَّجْدَةِ فَقَطْ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ لِسُورَةِ الْقَدْرِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِآخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَوْ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِابْتِدَاءِ السُّورَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
الْعَاشِرُ: لَوْ قَرَأَ الْقَارِئُ بِالتَّكْبِيرِ لِحَمْزَةَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مَا الْحُكْمُ لَوْ قَرَأَ الْقَارِئُ بِالتَّكْبِيرِ بَيْنَهُمَا عَلَى رَأْيِ بَعْضِ مَنْ أَجَازَهُ لَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْبَسْمَلَةِ مَعَهُ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَجُوزُ الْبَسْمَلَةُ لِحَمْزَةَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَارِئَ يَنْوِي الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ فَيَصِيرُ مُبْتَدِئًا لِلسُّورَةِ الْآتِيَةِ، وَإِذَا ابْتَدَأَ وَجَبَتِ الْبَسْمَلَةُ، وَهَذَا سَائِغٌ جَائِزٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمُعْتَبَرِينَ إِذَا وَصَلَ الْقَارِئُ عَلَيْهِ فِي الْجَمْعِ إِلَى قِصَارِ الْفَصْلِ وَخَشِيَ التَّطْوِيلَ بِمَا يَأْتِي بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مِنَ الْأَوْجُهِ يَأْمُرُ الْقَارِئَ بِالْوَقْفِ لِيَكُونَ مُبْتَدِئًا فَتَسْقُطُ الْأَوْجُهُ الَّتِي تَكُونُ لِلْقُرَّاءِ مِنَ الْخِلَافِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، وَلَا أَحْسَبُهُمْ إِلَّا آثَرُوا ذَلِكَ عَمَّنْ أَخَذُوا عَنْهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.
|